فصل: مسألة: عدم حل الصدقة لبني هاشم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

فإن كان في عائلته من لا يجب عليه الإنفاق عليه كيتيم أجنبي فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز له دفع زكاته إليه لأنه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مؤنته والصحيح‏,‏ إن شاء الله جواز دفعها إليه لأنه داخل في أصناف المستحقين للزكاة ولم يرد في منعه نص ولا إجماع ولا قياس صحيح‏,‏ فلا يجوز إخراجه من عموم النص بغير دليل وإن توهم أنه ينتفع بدفعها إليه قلنا‏:‏ قد لا ينتفع به‏,‏ فإنه يصرفها في مصالحه التي لا يقوم بها الدافع وإن قدر الانتفاع فإنه نفع لا يسقط به واجب عليه ولا يجتلب به مال إليه‏,‏ فلم يمنع ذلك الدفع كما لو كان يصله تبرعا من غير أن يكون من عائلته‏.‏

فصل‏:‏

وليس لمخرج الزكاة شراؤها ممن صارت إليه وروي ذلك عن الحسن وهو قول قتادة ومالك قال أصحاب مالك‏:‏ فإن اشتراها لم ينقض البيع وقال الشافعي وغيره‏:‏ يجوز لقول النبي‏:‏ - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة رجل ابتاعها بماله‏)‏ وروى سعيد‏,‏ في ‏"‏ سننه ‏"‏ ‏(‏أن رجلا تصدق على أمه بصدقة ثم ماتت فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ قد قبل الله صدقتك وردها إليك الميراث‏)‏ وهذا في معنى شرائها ولأن ما صح أن يملك إرثا‏,‏ صح أن يملك ابتياعا كسائر الأموال ولنا ما روى عمر ‏(‏أنه قال‏:‏ حملت على فرس في سبيل الله‏,‏ فأضاعه الذي كان عنده وظننت أنه بائعه برخص فأردت أن أشتريه‏,‏ فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ لا تبتعه ولا تعد في صدقتك ولو أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه‏)‏ متفق عليه فإن قيل‏:‏ يحتمل أنها كانت حبيسا في سبيل الله فمنعه لذلك قلنا‏:‏ لو كانت حبيسا لما باعها الذي هي في يده ولا هم عمر بشرائها‏,‏ بل كان ينكر على البائع ويمنعه فإنه لم يكن يقر على منكر فكيف يفعله‏,‏ ويعين عليه ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- ما أنكر بيعها إنما أنكر على عمر الشراء معللا بكونه عائدا في الصدقة الثاني‏,‏ أننا نحتج بعموم اللفظ من غير نظر إلى خصوص السبب فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لا تعد في صدقتك‏)‏ أي بالشراء فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه والأخذ بعموم اللفظ أولى من التمسك بخصوص السبب فإن قيل‏:‏ فإن اللفظ لا يتناول الشراء فإن العود في الصدقة ارتجاعها بغير عوض وفسخ للعقد‏,‏ كالعود في الهبة والدليل على هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏العائد في هبته كالعائد في قيئه‏)‏ ولو وهب إنسانا شيئا ثم اشتراه منه‏,‏ جاز قلنا‏:‏ النبي - صلى الله عليه وسلم- ذكر ذلك جوابا لعمر حين سأله عن شراء الفرس فلو لم يكن اللفظ متناولا للشراء المسئول عنه لم يكن مجيبا له ولا يجوز إخراج خصوص السبب من عموم اللفظ لئلا يخلو السؤال عن الجواب‏,‏ وقد روى عن جابر أنه قال‏:‏ إذا جاء المصدق فادفع إليه صدقتك ولا تشترها فإنهم كانوا يقولون‏:‏ ابتعها فأقول‏:‏ إنما هي لله وعن ابن عمر أنه قال‏:‏ لا تشتر طهور مالك ولأن في شرائه لها وسيلة إلى استرجاع شيء منها لأن الفقير يستحى منه‏,‏ فلا يماكسه في ثمنها وربما رخصها له طمعا في أن يدفع إليه صدقة أخرى وربما علم أنه إن لم يبعه إياها استرجعها منه أو توهم ذلك‏,‏ وما هذا سبيله ينبغي أن يجتنب كما لو شرط عليه أن يبيعه إياها وهو أيضا ذريعة إلى إخراج القيمة وهو ممنوع من ذلك أما حديثهم فنقول به‏,‏ وأنها ترجع إليه بالميراث وليس هذا محل النزاع قال ابن عبد البر كل العلماء يقولون‏:‏ إذا رجعت إليه بالميراث طابت له إلا ابن عمر والحسن بن حي وليس البيع في معنى الميراث لأن الملك ثبت بالميراث حكما بغير اختياره وليس بوسيلة إلى شيء مما ذكرنا‏,‏ والحديث الآخر مرسل وهو عام وحديثنا خاص صحيح‏,‏ فالعمل به أولى من كل وجه‏.‏

فصل‏:‏

فإن دعت الحاجة إلى شراء صدقته مثل أن يكون الفرض جزءا من حيوان لا يمكن الفقير الانتفاع بعينه ولا يجد من يشتريه سوى المالك لباقيه‏,‏ ولو اشتراه غيره لتضرر المالك بسوء المشاركة أو إذا كان الواجب في ثمرة النخل والكرم عنبا ورطبا فاحتاج الساعي إلى بيعها قبل الجذاذ‏,‏ فقد ذكر القاضي أنه يجوز بيعها من رب المال في هذا الموضع وكذلك يجيء في الصورة الأولى وفي كل موضع دعت الحاجة إلى شرائه لها لأن المنع من الشراء في محل الوفاق إنما كان لدفع الضرر عن الفقير والضرر عليه في منع البيع ها هنا أعظم‏,‏ فدفعه بجواز البيع أولى‏.‏

فصل‏:‏

قال مهنا‏:‏ سألت أبا عبد الله عن رجل له على رجل دين برهن وليس عنده قضاؤه ولهذا الرجل زكاة مال يريد أن يفرقها على المساكين فيدفع إليه رهنه ويقول له‏:‏ الدين الذي لي عليك هو لك ويحسبه من زكاة ماله قال‏:‏ لا يجزئه ذلك فقلت له‏:‏ فيدفع إليه من زكاته‏,‏ فإن رده إليه قضاء مما له أخذه‏؟‏ فقال‏:‏ نعم وقال في موضع آخر وقيل له‏:‏ فإن أعطاه‏,‏ ثم رده إليه‏؟‏ قال‏:‏ إذا كان بحيلة فلا يعجبني قيل له‏:‏ فإن استقرض الذي عليه الدين دراهم فقضاه إياها ثم ردها عليه وحسبها من الزكاة‏؟‏ فقال‏:‏ إذا أراد بها إحياء ماله فلا يجوز فحصل من كلامه أن دفع الزكاة إلى الغريم جائز‏,‏ سواء دفعها ابتداء أو استوفي حقه ثم دفع ما استوفاه إليه إلا أنه متى قصد بالدفع إحياء ماله‏,‏ أو استيفاء دينه لم يجز لأن الزكاة لحق الله تعالى فلا يجوز صرفها إلى نفعه‏,‏ ولا يجوز أن يحتسب الدين الذي له من الزكاة قبل قبضه لأنه مأمور بأدائها وإيتائها وهذا إسقاط والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا لكافر‏,‏ ولا لمملوك‏]‏ لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن زكاة الأموال لا تعطى لكافر ولا لمملوك قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئا ‏(‏ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ‏:‏ أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم‏)‏ فخصهم بصرفها إلى فقرائهم كما خصهم بوجوبها على أغنيائهم وأما المملوك فلا يملكها بدفعها إليه‏,‏ وما يعطاه فهو لسيده فكأنه دفعها إلى سيده ولأن العبد يجب على سيده نفقته‏,‏ فهو غنى بغناه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏إلا أن يكونوا من العاملين عليها فيعطون بحق ما عملوا‏]‏ وجملته أنه يجوز للعامل أن يأخذ عمالته من الزكاة سواء كان حرا أو عبدا وظاهر كلام الخرقي أنه يجوز أن يكون كافرا‏,‏ وهذه إحدى الروايتين عن أحمد لأن الله تعالى قال ‏{‏والعاملين عليها‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 60‏]‏‏.‏ وهذا لفظ عام يدخل فيه كل عامل على أي صفة كان ولأن ما يأخذ على العمالة أجرة عمله فلم يمنع من أخذه كسائر الإجارات والرواية الأخرى لا يجوز أن يكون العامل كافرا لأن من شرط العامل أن يكون أمينا‏,‏ والكفر ينافي الأمانة ويجوز أن يكون غنيا وذا قرابة لرب المال وقوله‏:‏ ‏"‏ بحق ما عملوا ‏"‏ يعني يعطيهم بقدر أجرتهم والإمام مخير إذا بعث عاملا إن شاء استأجره إجارة صحيحة ويدفع إليه ما سميى له‏,‏ وإن شاء بعثه بغير إجارة ويدفع إليه أجر مثله وهذا كان المعروف على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فإنه لم يبلغنا أنه قاطع أحدا من العمال على أجر وقد روى أبو داود‏,‏ بإسناده عن ابن الساعدي قال‏:‏ ‏(‏استعملني عمر على الصدقة فلما فرغت منها وأديتها إليه‏,‏ أمر لي بعمالة فقلت إنما عملت لله وأجرى على الله قال‏:‏ خذ ما أعطيت فإني قد عملت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فعملني‏,‏ فقلت مثل قولك فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأله فكل وتصدق‏)‏

فصل‏:‏

ويعطي منها أجر الحاسب والكاتب والحاشر والخازن والحافظ والراعي ونحوهم فكلهم معدودون من العاملين ويدفع إليهم من حصة العاملين عليها‏,‏ فأما أجر الوزان والكيال ليقبض الساعي الزكاة فعلى رب المال لأنه من مؤنة دفع الزكاة‏.‏

فصل‏:‏

ولا يعطي الكافر من الزكاة إلا لكونه مؤلفًا على ما سنذكره‏,‏ ويجوز أن يعطى الإنسان ذا قرابته من الزكاة لكونه غازيا أو مؤلفا أو غارما في إصلاح ذات البين‏,‏ أو عاملا ولا يعطى لغير ذلك وقد روى أبو داود بإسناده عن عطاء بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تحل الصدقة لغني‏,‏ إلا لخمسة‏:‏ لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم‏,‏ أو رجل ابتاعها بماله أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين‏,‏ فأهدى المسكين إلى الغني‏)‏ ورواه أيضا عن عطاء عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏.‏

فصل‏:‏

وإن اجتمع في واحد أسباب تقتضي الأخذ بها جاز أن يعطى بها‏,‏ فالعامل الفقير له أن يأخذ عمالته فإن لم تغنه فله أن يأخذ ما يتم به غناه فإن كان غازيا فله أخذ ما يكفيه لغزوه‏,‏ وإن كان غارما أخذ ما يقضى به غرمه لأن كل واحد من هذه الأسباب يثبت حكمه بانفراده فوجود غيره لا يمنع ثبوت حكمه كما لم يمنع وجوده‏,‏ وقد روي عن أحمد أنه قال‏:‏ إذا كان له مائتان وعليه مثلها لا يعطى من الزكاة لأن المغني خمسون درهما وهذا يدل على أنه يعتبر في الدفع إلى الغارم أن يكون فقيرا فإذا أعطي لأجل الغرم وجب صرفه إلى قضاء الدين وإن أعطي للفقير جاز أن يقضي به دينه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ولا لبني هاشم‏)‏ لا نعلم خلافًا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة‏,‏ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس‏)‏ أخرجه مسلم وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة‏,‏ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ كخ كخ ليطرحها وقال‏:‏ أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة‏)‏ متفق عليه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ ولا لمواليهم ‏)‏ يعني أن موالي بني هاشم وهم من أعتقهم هاشمي‏,‏ لا يعطون من الزكاة وقال أكثر العلماء‏:‏ يجوز لأنهم ليسوا بقرابة النبي - صلى الله عليه وسلم- فلم يمنعوا الصدقة كسائر الناس ولأنهم لم يعوضوا عنها بخمس الخمس فإنهم لا يعطون منه‏,‏ فلم يجز أن يحرموها كسائر الناس ولنا ما روى أبو رافع ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع‏:‏ اصحبني كيما تصيب منها فقال‏:‏ لا حتى آتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأسأله فانطلق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فسأله فقال‏:‏ إنا لا تحل لنا الصدقة‏,‏ وإن موالي القوم منهم‏)‏ أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي‏,‏ وقال‏:‏ حديث حسن صحيح ولأنهم ممن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب فلم يجز دفع الصدقة إليهم كبني هاشم وقولهم‏:‏ إنهم ليسوا بقرابة قلنا‏:‏ هم بمنزلة القرابة بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏الولاء لحمة كلحمة النسب‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏موالي القوم منهم‏)‏ وثبت فيهم حكم القرابة من الإرث والعقل والنفقة‏,‏ فلا يمتنع ثبوت حكم تحريم الصدقة فيهم‏.‏

فصل‏:‏

فأما بنو المطلب فهل لهم الأخذ من الزكاة‏؟‏ على روايتين‏:‏ إحداهما ليس لهم ذلك نقلها عبد الله بن أحمد وغيره لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام إنما نحن وهم شيء واحد‏)‏ وفي لفظ رواه الشافعي في ‏"‏ مسنده ‏"‏‏:‏‏:‏ ‏(‏إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد‏)‏ وشبك بين أصابعه ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فلم يكن لهم الأخذ كبني هاشم‏,‏ وقد أكد ما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- علل منعهم الصدقة باستغنائهم عنها بخمس الخمس فقال‏:‏ ‏(‏أليس في خمس الخمس ما يغنيكم‏؟‏‏)‏ والرواية الثانية لهم الأخذ منها وهو قول أبي حنيفة لأنهم دخلوا في عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما الصدقات للفقراء والمساكين‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 60‏]‏‏.‏ الآية لكن خرج بنو هاشم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد‏)‏ فيجب أن يختص المنع بهم‏,‏ ولا يصح قياس بني المطلب على بني هاشم لأن بني هاشم أقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وأشرف وهم آل النبي - صلى الله عليه وسلم- ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخمس ما استحقوه بمجرد القرابة بدليل أن بني عبد شمس وبني نوفل يساوونهم في القرابة‏,‏ ولم يعطوا شيئا وإنما شاركوهم بالنصرة أو بهما جميعا‏,‏ والنصرة لا تقتضي منع الزكاة‏.‏

فصل‏:‏

وروى الخلال بإسناده عن ابن أبي مليكة أن خالد بن سعيد بن العاص بعث إلى عائشة سفرة من الصدقة فردتها‏,‏ وقالت‏:‏ إنا آل محمد - صلى الله عليه وسلم- لا تحل لنا الصدقة وهذا يدل على تحريمها على أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏.‏

فصل‏:‏

وظاهر قول الخرقي ها هنا أن ذوي القربى يمنعون الصدقة وإن كانوا عاملين‏,‏ وذكر في باب قسم الفيء والصدقة ما يدل على إباحة الأخذ لهم عمالة وهو قول أكثر أصحابنا لأن ما يأخذونه أجر فجاز لهم أخذه كالحمال وصاحب المخزن إذا أجرهم مخزنه ولنا‏,‏ حديث أبي رافع وقد ذكرناه وما روى مسلم بإسناده ‏(‏أنه اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب‏,‏ فقالا‏:‏ والله لو بعثنا هذين الغلامين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس‏,‏ وأصابا ما يصيب الناس‏؟‏ فبينما هما في ذلك إذ جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك‏,‏ قال علي‏:‏ لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال‏:‏ والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا قال‏:‏ فألقى على رداءه ثم اضطجع ثم قال‏:‏ أنا أبو الحسن والله لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما ابناكما بخبر ما بعثتما به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث إلى أن قال‏:‏ فأتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالا‏:‏ يا رسول الله‏,‏ أنت أبو الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح‏,‏ فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون فسكت طويلا ثم قال‏:‏ إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمد‏,‏ إنما هي أوساخ الناس وفي لفظ أنه قال‏:‏ إن الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد‏)‏ ‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز لذوي القربى الأخذ من صدقة التطوع قال أحمد في رواية ابن القاسم‏:‏ إنما لا يعطون من الصدقة المفروضة‏,‏ فأما التطوع فلا وعن أحمد رواية أخرى‏:‏ أنهم يمنعون صدقة التطوع أيضا لعموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إنا لا تحل لنا الصدقة‏)‏ والأول أظهر فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏المعروف كله صدقة‏)‏ متفق عليه وقال الله تعالى‏:‏ ‏{فمن تصدق به فهو كفارة له‏}‏ [المائدة: 45]. وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون‏}‏ [البقرة: 280]. ولا خلاف في إباحة المعروف إلى الهاشمي‏,‏ والعفو عنه وإنظاره وقال إخوة يوسف‏:‏ {‏وتصدق علينا‏}‏ والخبر أريد به صدقة الفرض لأن الطلب كان لها والألف واللام تعود إلى المعهود وروى جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقلت له‏:‏ أتشرب من الصدقة‏؟‏ فقال‏:‏ إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة ويجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء‏,‏ ومن النذور لأنهما تطوع فأشبه ما لو وصى لهم وفي الكفارة وجهان‏:‏ أحدهما يجوز لأنها ليست بزكاة ولا هي أوساخ الناس‏,‏ فأشبهت صدقة التطوع والثاني لا يجوز لأنها واجبة أشبهت الزكاة‏.‏

فصل‏:‏

وكل من حرم صدقة الفرض من الأغنياء وقرابة المتصدق والكافر وغيرهم يجوز دفع صدقة التطوع إليهم‏,‏ ولهم أخذها قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 8‏]‏‏.‏ ولم يكن الأسير يومئذ إلا كافرا وعن أسماء بنت أبي بكر‏,‏ ـ رضي الله عنهـا ـ قالت‏:‏ ‏(‏قدمت على أمي وهي مشركة فقلت‏:‏ يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إن أمي قدمت على وهي راغبة‏,‏ أفأصلها‏؟‏ قال‏:‏ نعم صلى أمك‏)‏ وكسا عمر أخا له حلة كان النبي - صلى الله عليه وسلم- أعطاه إياها وعن أبي مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا أنفق المسلم على أهله‏,‏ وهو يحتسبها فهي له صدقة‏)‏ متفق عليه وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- لسعد‏:‏ ‏(‏إن نفقتك على أهلك صدقة وإن ما تأكل امرأتك صدقة‏)‏ متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏

فأما النبي - صلى الله عليه وسلم- فالظاهر أن الصدقة جميعها كانت محرمة عليه‏,‏ فرضها ونفلها لأن اجتنابها كان من دلائل نبوته وعلاماتها فلم يكن ليخل بذلك وفي حديث إسلام سلمان الفارسي‏,‏ أن الذي أخبره عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ووصفه قال‏:‏ ‏(‏إنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة‏)‏ وقال أبو هريرة‏:‏ ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا أتى بطعام سأل عنه‏؟‏ فإن قيل صدقة قال لأصحابه‏:‏ كلوا ولم يأكل‏,‏ وإن قيل‏:‏ هدية ضرب بيده فأكل معهم‏)‏ أخرجه البخاري ‏(‏وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- في لحم تصدق به على بريرة‏:‏ هو عليها صدقة وهو لنا هدية‏)‏ وقال عليه السلام‏:‏ ‏(‏إني لأنقلب إلى أهلي‏,‏ فأجد التمرة ساقطة على فراشى في بيتي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة‏,‏ فألقيها‏)‏ رواه مسلم وقال‏:‏ ‏(‏إنا لا تحل لنا الصدقة‏)‏ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان أشرف الخلق وكان له من المغانم خمس الخمس والصفى فحرم نوعي الصدقة فرضها ونفلها‏,‏ وآله دونه في الشرف ولهم خمس الخمس وحده فحرموا أحد نوعيها‏,‏ وهو الفرض وقد روى عن أحمد أن صدقة التطوع لم تكن محرمة عليه قال الميموني‏:‏ سمعت أحمد يقول‏:‏ الصدقة لا تحل للنبي - صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته صدقة الفطر وزكاة الأموال والصدقة يصرفها الرجل على محتاج يريد بها وجه الله تعالى‏,‏ فأما غير ذلك فلا أليس يقال‏:‏ كل معروف صدقة‏؟‏ وقد كان يهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم- ويستقرض فليس ذلك من جنس الصدقة على وجه الحاجة والصحيح أن هذا لا يدل على إباحة الصدقة له‏,‏ إنما أراد أن ما ليس من صدقة الأموال على الحقيقة كالقرض والهدية وفعل المعروف غير محرم عليه‏,‏ لكن فيه دلالة على التسوية بينه وبين آله في تحريم صدقة التطوع عليهم لقوله بأن الصدقة على المحتاج يريد بها وجه الله محرمة عليهما وهذا هو صدقة التطوع فصارت الروايتان في تحريم صدقة التطوع على آله والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ ولا لغني‏,‏ وهو الذي يملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب ‏)‏ يعني لا يعطى من سهم الفقراء والمساكين غنى ولا خلاف في هذا بين أهل العلم وذلك لأن الله تعالى جعلها للفقراء والمساكين‏,‏ والغنى غير داخل فيهم وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- لمعاذ‏:‏ ‏(‏أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم وقال‏:‏ لا حظ فيها لغني‏,‏ ولا لقوي مكتسب وقال‏:‏ لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي‏)‏ أخرجه أبو داود والترمذي‏,‏ وقال‏:‏ حديث حسن ولأن أخذ الغني منها يمنع وصولها إلى أهلها ويخل بحكمة وجوبها وهو إغناء الفقراء بها واختلف العلماء في الغنى المانع من أخذها ونقل عن أحمد فيه روايتان‏:‏ أظهرهما‏,‏ أنه ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدوام من كسب‏,‏ أو تجارة أو عقار أو نحو ذلك ولو ملك من العروض‏,‏ أو الحبوب أو السائمة أو العقار ما لا تحصل به الكفاية‏,‏ لم يكن غنيا وإن ملك نصابا هذا الظاهر من مذهبه‏,‏ وهو قول الثوري والنخعي وابن المبارك وإسحاق وروى عن على وعبد الله أنهما قالا‏:‏ لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو عدلها‏,‏ أو قيمتها من الذهب وذلك لما روى عبد الله بن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشا أو خدوشا‏,‏ أو كدوحا في وجهه فقيل‏:‏ يا رسول الله ما الغنى‏؟‏ قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن فإن قيل‏:‏ هذا يرويه حكيم بن جبير وكان شعبة لا يروى عنه‏,‏ وليس بقوي في الحديث قلنا‏:‏ قد قال عبد الله بن عثمان لسفيان‏:‏ حفظي أن شعبة لا يروى عن حكيم بن جبير فقال سفيان‏:‏ حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن وقد قال على وعبد الله مثل ذلك والرواية الثانية أن الغنى ما تحصل به الكفاية فإذا لم يكن محتاجا حرمت عليه الصدقة‏,‏ وإن لم يملك شيئا وإن كان محتاجا حلت له الصدقة وإن ملك نصابا‏,‏ والأثمان وغيرها في هذا سواء وهذا اختيار أبي الخطاب وابن شهاب العكبري وقول مالك والشافعي لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لقبيصة بن المخارق ‏(‏لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة‏:‏ رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه‏:‏ قد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش‏,‏ أو سدادا من عيش‏)‏ رواه مسلم فمد إباحة المسألة إلى وجود إصابة القوام أو السداد ولأن الحاجة هي الفقر والغنى ضدها‏,‏ فمن كان محتاجا فهو فقير يدخل في عموم النص ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة والحديث الأول فيه ضعف‏,‏ ثم يجوز أن تحرم المسألة ولا يحرم أخذ الصدقة إذا جاءته من غير المسألة فإن المذكور فيه تحريم المسألة فنقتصر عليه وقال الحسن وأبو عبيد‏:‏ الغنى ملك أوقية‏,‏ وهي أربعون درهما لما روى أبو سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف‏)‏ وكانت الأوقية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أربعين درهما رواه أبو داود وقال أصحاب الرأي‏:‏ الغنى الموجب للزكاة هو المانع من أخذها وهو ملك نصاب تجب فيه الزكاة‏,‏ من الأثمان أو العروض المعدة للتجارة أو السائمة‏,‏ أو غيرها ‏(‏لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- لمعاذ‏:‏ أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم‏)‏ فجعل الأغنياء من تجب عليهم الزكاة فيدل ذلك على أن من تجب عليه غني‏,‏ ومن لا تجب عليه ليس بغنى فيكون فقيرا فتدفع الزكاة إليه لقوله‏:‏ ‏"‏ فترد في فقرائهم ‏"‏ ولأن الموجب للزكاة غنى‏,‏ والأصل عدم الاشتراك ولأن من لا نصاب له لا تجب عليه الزكاة فلا يمنع منها كمن يملك دون الخمسين‏,‏ ولا له ما يكفيه فيحصل الخلاف بيننا وبينهم في أمور ثلاثة‏:‏ أحدها أن الغنى المانع من الزكاة غير الموجب لها عندنا ودليل ذلك حديث ابن مسعود وهو أخص من حديثهم فيجب تقديمه‏,‏ ولأن حديثهم دل على الغنى الموجب وحديثنا دل على الغنى المانع ولا تعارض بينهما فيجب الجمع بينهما وقولهم‏:‏ الأصل عدم الاشتراك قلنا‏:‏ قد قام دليله بما ذكرناه‏,‏ فيجب الأخذ به الثاني أن من له ما يكفيه من مال غير زكائي أو من مكسبه‏,‏ أو أجرة عقارات أو غيره ليس له الأخذ من الزكاة وبهذا قال الشافعي وإسحاق وأبو عبيدة وابن المنذر وقال أبو يوسف‏:‏ إن دفع الزكاة إليه فهو قبيح وأرجو أن يجزئه وقال أبو حنيفة وسائر أصحابه‏:‏ يجوز دفع الزكاة إليه لأنه ليس بغني‏,‏ لما ذكروه في حجتهم ولنا ما روى الإمام أحمد حدثنا يحيى بن سعيد‏,‏ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ‏(‏عن رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- أنهما أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فسألاه الصدقة‏,‏ فصعد فيهما البصر فرآهما جلدين فقال‏:‏ إن شئتما أعطيتكما‏,‏ ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب‏)‏ قال أحمد‏:‏ ما أجوده من حديث وقال‏:‏ هو أحسنها إسنادا وروى عمرو بن شعيب عن أبيه‏,‏ عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لا تحل الصدقة لغنى ولا لذى مرة سوي‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن إلا أن أحمد قال‏:‏ لا أعلم فيه شيئا يصح قيل‏:‏ فحديث سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة‏؟‏ قال‏:‏ سالم لم يسمع من أبي هريرة ولأن له ما يغنيه عن الزكاة فلم يجز الدفع إليه‏,‏ كمالك النصاب الثالث أن من ملك نصابا زكائيا لا تتم به الكفاية من غير الأثمان‏,‏ فله الأخذ من الزكاة قال الميموني‏:‏ ذاكرت أبا عبد الله فقلت‏:‏ قد يكون للرجل الإبل والغنم تجب فيها الزكاة وهو فقير ويكون له أربعون شاة وتكون لهم الضيعة لا تكفيه‏,‏ فيعطى من الصدقة‏؟‏ قال‏:‏ نعم وذكر قول عمر أعطوهم وإن راحت عليهم من الإبل كذا وكذا قلت‏:‏ فهذا قدر من العدد أو الوقت‏؟‏ قال‏:‏ لم أسمعه وقال في رواية محمد بن الحكم‏:‏ إذا كان له عقار يشغله أو ضيعة تساوي عشرة آلاف أو أقل أو أكثر لا تقيمه يأخذ من الزكاة وهذا قول الشافعي وقال أصحاب الرأي‏:‏ ليس له أن يأخذ منها إذا ملك نصابا زكائيا لأنه تجب عليه الزكاة‏,‏ فلم تجب له للخبر ولنا أنه لا يملك ما يغنيه ولا يقدر على كسب ما يكفيه‏,‏ فجاز له الأخذ من الزكاة كما لو كان ما يملك لا تجب فيه الزكاة ولأن الفقر عبارة عن الحاجة قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 15‏]‏‏.‏ أي‏:‏ المحتاجون إليه وقال الشاعر‏:‏

فيا رب إني مؤمن بك عابد ** مقــر بزلاتي إليك فقيــر

وقال آخر‏:‏

وإني إلى معروفها لفقير **

وهذا محتاج‏,‏ فيكون فقيرا غير غنى ولأنه لو كان ما يملكه لا زكاة فيه لكان فقيرا ولا فرق في دفع الحاجة بين المالين‏,‏ وقد سمى الله تعالى الذين لهم سفينة في البحر مساكين فقال تعالى‏:‏ ‏{‏أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 79‏]‏‏.‏ وقد بينا بما ذكرناه من قبل أن الغنى يختلف مسماه فيقع على ما يوجب الزكاة‏,‏ وعلى ما يمنع منها فلا يلزم من وجود أحدهما وجود الآخر ولا من عدمه عدمه‏,‏ فمن قال‏:‏ إن الغنى هو الكفاية سوى بين الأثمان وغيرها وجوز الأخذ لكل من لا كفاية له وإن ملك نصبا من جميع الأموال ومن قال بالرواية الأخرى‏,‏ فرق بين الأثمان وغيرها لخبر ابن مسعود ولأن الأثمان آلة الإنفاق المعدة له دون غيرها فجوز الأخذ لمن لا يملك خمسين درهما‏,‏ أو قيمتها من الذهب ولا ما تحصل به الكفاية من مكسب‏,‏ أو أجرة أو عقار أو غيره أو نماء سائمة أو غيرها وإن كان له مال معد للإنفاق من غير الأثمان‏,‏ فينبغي أن تعتبر الكفاية به في حول كامل لأن الحول يتكرر وجوب الزكاة بتكرره فيأخذ منها كل حول ما يكفيه إلى مثله ويعتبر وجود الكفاية له ولعائلته ومن يمونه لأن كل واحد منهم مقصود دفع حاجته‏,‏ فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد وإن كان له خمسون درهما جاز أن يأخذ لعائلته حتى يصير لكل واحد منهم خمسون قال أحمد في رواية أبي داود‏,‏ في من يعطي الزكاة وله عيال‏:‏ يعطي كل واحد من عياله خمسين خمسين وهذا لأن الدفع إنما هو إلى العيال وهذا نائب عنهم في الأخذ‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان للمرأة الفقيرة زوج موسر ينفق عليها لم يجز دفع الزكاة إليها لأن الكفاية حاصلة لها بما يصلها من نفقتها الواجبة فأشبهت من له عقار يستغنى بأجرته وإن لم ينفق عليها‏,‏ وتعذر ذلك جاز الدفع إليها كما لو تعطلت منفعة العقار وقد نص أحمد على هذا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ ولا يعطي إلا في الثمانية الأصناف التي سمى الله تعالى ‏)‏ يعني قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 60‏]‏‏.‏ وقد ذكرهم الخرقي في موضع آخر‏,‏ فنؤخر شرحهم إليه وقد روى زياد بن الحارث الصدائي قال‏:‏ ‏(‏أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم- فبايعته قال‏:‏ فأتاه رجل فقال‏:‏ أعطني من الصدقة فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء‏,‏ فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك‏)‏ رواه أبو داود وأحكامهم كلها باقية وبهذا قال الحسن والزهري وأبو جعفر محمد بن على وقال الشعبي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي‏:‏ انقطع سهم المؤلفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد أعز الله تعالى الإسلام وأغناه عن أن يتألف عليه رجال فلا يعطى مشرك تالفا بحال قالوا‏:‏ وقد روي هذا عن عمر ولنا كتاب الله وسنة رسوله فإن الله تعالى سمى المؤلفة في الأصناف الذين سمى الصدقة لهم‏,‏ والنبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء وكان يعطي المؤلفة كثيرا في أخبار مشهورة‏,‏ ولم يزل كذلك حتى مات‏)‏ ولا يجوز ترك كتاب الله وسنة رسوله إلا بنسخ والنسخ لا يثبت بالاحتمال ثم إن النسخ إنما يكون في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم- لأن النسخ إنما يكون بنص‏,‏ ولا يكون النص بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم- وانقراض زمن الوحي ثم إن القرآن لا ينسخ إلا بقرآن وليس في القرآن نسخ كذلك ولا في السنة‏,‏ فكيف يترك الكتاب والسنة بمجرد الآراء والتحكم أو بقول صحابي أو غيره على أنهم لا يرون قول الصحابي حجة يترك لها قياس‏,‏ فكيف يتركون به الكتاب والسنة قال الزهري‏:‏ لا أعلم شيئا نسخ حكم المؤلفة على أن ما ذكروه من المعنى لا خلاف بينه وبين الكتاب والسنة فإن الغنى عنهم لا يوجب رفع حكمهم‏,‏ وإنما يمنع عطيتهم حال الغنى عنهم فمتى دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا فكذلك جميع الأصناف‏,‏ إذا عدم منهم صنف في بعض الزمان سقط حكمه في ذلك الزمن خاصة فإذا وجد عاد حكمه‏,‏ كذا هنا‏.‏